جاري التحميل...

صانع العدالة بقطر

الجسرة الإخبارية
الخميس 29 مايو 2025

في عام 1940، وقفت دولة قطر أمام منعطف تاريخي حاسم عندما طلب الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني من الملك عبدالعزيز آل سعود رجلا يصلح القضاء في البلاد، فكان الاختيار للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود، الذي سيصبح أيقونة العدل وحامي أموال اليتامى في تاريخ القضاء القطري.

وُلد الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود في حوطة بني تميم عام 1327هـ، حيث نشأ يتيما بعد وفاة والده وهو صغير، لكن هذا الفقد المبكر لم يثنه عن شغفه الجارف بطلب العلم الذي دفعه للتنقل بين جنوب نجد وقطر، بل ودرّس في الحرم المكي، حتى أصبح من أبرز علماء عصره.

تميز الشيخ آل محمود بصفة نادرة في زمانه، فبرغم تولي القضاء والإفتاء في دولة قطر، تعفف عن أخذ الراتب من المملكة العربية السعودية، مما يعكس نزاهته وترفعه عن أي شبهة مالية، ويؤكد أن رسالته كانت خدمة للدين والعدل وليس طلبا للمكاسب المادية.

اشتهر الشيخ بعدله حكمته في فض النزاعات، فلم يقصده متخاصمان إلا ونجح في الصلح بينهما، وهو ما جعله محل ثقة جميع طبقات المجتمع القطري، بينما ظلت عبارة "ما ضاع مال ليتيم في قطر" شاهدة على أمانته ورعايته الفائقة لأموال الأيتام.

وضع الشيخ نظاما متقدما لتسجيل الأحكام والقضايا لحفظها، مما جعل المحاكم الشرعية في دولة قطر نموذجا يُحتذى به في المنطقة، كما ألف خلال حياته الكثير من الرسائل العلمية والمؤلفات الثرية، ومن أهم كتبه "الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة".

أجمع علماء ذلك الزمان على كفاءة الشيخ وقدرته الفائقة على تطبيق الشريعة الإسلامية بما يتناسب مع الظروف المحلية، وهو ما أزعج البريطانيين، الذين وصفوه في أرشيفهم بالمتزمت لمقاومته أي محاولات للجنوح عن الفقه الإسلامي الأصيل.

يكشف الكاتب ناثان براون في كتابه "القضاء في مصر والخليج" عن محاولات البريطانيين لإيجاد نظام قضائي غير شرعي في المنطقة، لكنهم فشلوا في دولة قطر، بفضل جهود الشيخ آل محمود الذي جعل المحاكم الشرعية أكثر قوة ورسوخا، محميا بذلك هوية العدالة في البلاد.

قصة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود ليست مجرد سيرة عالم، بل ملحمة إنسانية لرجل جمع بين العلم والعدل والنزاهة، وأرسى دعائم نظام قضائي شرعي متين لا يزال أثره باقيا في دولة قطر حتى اليوم.
 

شاهد المزيد من القصص